سورة نوح - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (نوح)


        


{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)}
قال المبرد: {دَيَّاراً} لا تستعمل إلا في النفي العام، يقال: ما بالدار ديار ولا تستعمل في جانب الإثبات، قال أهل العربية: هو فيعال من الدور، وأصله ديوار فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى، قال الفراء والزجاج: وقال ابن قتيبة: ما بها ديار أي نازل دار.


{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)}
فإن قيل: كيف عرف نوح عليه السلام ذلك؟ قلنا: للنص والاستقراء، أما النص فقوله تعالى: {وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ من قد آمن} [هود: 35] وأما الاستقراء فهو أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فعرف طباعهم وجربهم، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه ويقول: احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبي أوصاني بمثل هذه الوصية، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك، وقوله: {وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم يكونون في علمك كذلك والثاني: أنهم سيصيرون كذلك.


{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
واعلم أنه عليه السلام لما دعا على الكفار قال بعده: {رَبّ اغفر لِى} أي فيما صدر عني من ترك الأفضل، ويحتمل أنه حين دعا على الكفار إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم، فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام فاستغفر عن ذلك لما فيه من طلب حظ النفس.
ثم قال: {وَلِوَالِدَىَّ} أبوه لمك بن متوشلخ وأمه شمخاء بنت أنوش وكانا مؤمنين، وقال عطاء: لم يكن بين نوح وآدم عليهما السلام من آبائه كافر، وكان بينه وبين آدم عشرة آباء.
وقرأ الحسن بن علي (ولولدي) يريد ساما وحاما.
ثم قال تعالى: {وَلَمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً} قيل: مسجدي، وقيل: سفينتي، وقيل: لمن دخل في ديني، فإن قيل: فعلى هذا التفسير يصير قوله: {مُؤْمِناً} مكرراً، قلنا: إن من دخل في دينه ظاهراً قد يكون مؤمناً بقلبه وقد لا يكون، والمعنى ولمن دخل في ديني دخولاً مع تصديق القلب.
ثم قال تعالى: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} إنما خص نفسه أولاً بالدعاء ثم المتصلين به لأنهم أولى وأحق بدعائه ثم عم المؤمنين والمؤمنات.
ثم ختم الكلام مرة أخرى بالدعاء على الكافرين فقال: {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً} أي هلاكاً ودماراً وكل شيء أهلك فقد تبر ومنه قوله: {إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} [الأعراف: 139] وقوله: {وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7] فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم بالكلية، فإن قيل: ما جرم الصبيان حين أغرقوا؟ والجواب من وجوه:
الأول: أن الله تعالى أيبس أصلاب آبائهم وأعقم أرحام نسائهم قبل الطوفان بأربعين سنة أو (تسعين) فلم يكن معهم صبي حين أغرقوا، ويدل عليه قوله: {استغفروا رَبَّكُمْ} إلى قوله: {وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ} [نوح: 10 12] وهذا يدل بحسب المفهوم على أنهم إذا لم يستغفروا فإنه تعالى لا يمددهم بالبنين الثاني: قال الحسن: علم الله براءة الصبيان فأهلكهم بغير عذاب الثالث: غرقوا معهم لا على وجه العقاب بل كما يموتون بالغرق والحرق وكان ذلك زيادة في عذاب الآباء والأمهات إذا أبصروا أطفالهم يغرقون والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه أجمعين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6